الأردنيون من أصول فلسطينية”.. لماذا لا يشاركون؟!

الثلاثاء ٩\٠٨\٢٠١١

عريب الرنتاوي

لعل السؤال/التحدي الأهم الذي يجابه الحراك الشبابي والشعبي الأردني، ذاك الذي يتصل بالإحجام، البالغ حد الغياب، للأردنيين من أصول فلسطينية عن المشاركة في فعاليات الشارع وأنشطته، وهي حقيقة لم تفلح عمليات التجييش والتحشيد، المبنية على الأكاذيب والإفتراءات في إخفائها.

نعم، الأردنيون من أصول فلسطينية غائبون… هذه المرة بإرادتهم غير المستقلة عن “ثقافة الخوف”…بعد أزيد من أربعين عاماً من التغييب والإقصاء والتهميش السياسي، تولدت لديهم نزعة إنسحابية عميقة، وإحساس متفاقم بأنهم “مواطنون من درجة ثانية”، ولقد تغذت هذه النزعة وتفاقم ذلك الإحساس بفعل تفشي إحساس أعمق آخر، ألا وهو: “أن لا بواكي لهم”، و”أن يد القانون قد تكون طويلة وثقيلة عليهم، أكثر من غيرهم، وربما وحدهم إن اقتضى الأمر.

الأردنيون من أصول فلسطينية “بلا نخب قيادية” تقريباً… فقد جفت منابع انتاج النخب في أوساطهم: الدولة، خزان ضخ النخب الرئيس، أخرجتهم من حساباتها… الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني أضعف من أن تضخ ما يكفي من القيادات… التعليم العالي في أوساطهم يتراجع بشكل دراماتيكي، وهذه ظاهرة تفاقمت خلال العشرين سنة الفائتة، وقد عززها نظام الإستثناءات في القبول الجامعي والمنح والبعثات الداخلية والخارجية… وعليه، فإن نسبة حضورهم في قطاع المهن (الطبقة اللوسطى) من محامين وأطباء وصيادلة ومهندسين في تراجع مطّرد.

وزاد الطين بلة، أن العائدين من دول الخليج في أعقاب حرب الخليج الثانية، والذين شكلوا عُشر السكان، أغلبهم من ذوي الأصول الفلسطينية، قد حملوا معهم ثقافة “الكفيل” وعقليته ونفسيته، فكان لهم إسهامهم في إشاعة ثقافة البقاء في الخلف والظل، والعمل تحت واجهات محلية، هي الأقدر على التعاطي مع شبكات الواسطة وثقافة المحسوبية.

قبل أيام، التقيت على دفعتيتن، بأزيد من ثلاثين شاباً من شباب “الحراكات”، لم يكن من بينهم شابٌ واحدٌ أو شابة واحدة من أصول فلسطينية… حتى الذين يشاركون في التظاهرات والإعتصامات من الشبان الفلسطينيين، يكتفون بالجلوس على المقاعد الخلفية… هؤلاء يدركون أن ثمة من “يستسهل” معاقبتهم ومحاسبتهم، بخلاف زملاء لهم ممن يحظون ب”حصانات عشائرية نسبية”.

لا الدولة تريد لهذه الفئة من المواطنين ان تشارك في الحياة السياسية على نحو فاعل، لأنها لا تريد حياة سياسية فاعلة أصلاً… ولا بعض قوى الحراك والمعارضة تريد لهذه الفئة أن تحضر في الساحات والميادين على قدم المساواة، وثمة قناعة عند بعض أطراف الحراك، بأن ما يحدث في المحافظات هو الأهم، وهو الذي سيصنع التغير، أما عمان فهي كتلة هجينة من السكان والمقيمين، لا وزن يعتد به لها ولا لمن يقطنها… الدولة تريد مشاركة هؤلاء من بوّابة ما يسمى مهرجانات “الولاء والوفاء” التي تنتمي لعقلية الخمسينات والستينات، وبعض المعارضة تريد لهذه الفئة أن تشارك في الصفوف الخلفية ومن على مقاعد “الكومبارس”…قلة قليلة فقط تريد لهؤلاء المشاركة على قدم المساواة كمواطنين مكتملي الحقوق والواجبات.

الدولة استمرأت التعامل مع هذه الفئة كمصدر منضبط للجباية يصح فيها قول عمرو بن العاص في مصر، في رسالته الشهيرة للخليفة الراشد: بقرة حلوب، كثير خيرها قليل شرها…. وبعض المعارضة و”الحراك”، ما أن يُعطى المايكروفون حتى يبدأ بالحديث عن ” خطر التجنيس”، وعندما يحدثك عن “الشعب مصدر السلطات” فهو يقصد جزء من هذا الشعب، لا الشعب كله… وعندما يهاجم “الخصخصة” على سبيل المثال، فهو لا يصدر عن مدرسة في الاقتصاد السياسي تؤمن بدور الدولة، بل عن فرضية تحيل دولة بما هي ارض وشعب، إلى ” واجهات عشائرية”، ولقد أثار دهشتي أن أحد نواب كتلة برلمانية أبلغني بأن هذا هو بالضبط ما يحكم موقف الكتلة من برنامج التصحيح الإقتصادي و” الخصخصة”.

والحقيقة أن ليس هناك اتفاق أو توافق لا على المستوى الوطني فحسب، بل وفيما بين قوى المعارضة وحراكاتها كذلك، حول الدور الذي يتعين على الأردنيين من أصول فلسطينية أن يلعبوه…والأخطر من هذا وذاك، أن الأردنيين من أصول فلسطينية لا يعرفون هم أنفسهم ماذا يريدون، خصوصا في ضوء تضاؤل دور نخبهم وقياداتهم، وجنوح كثير منها للإنتهازية و”الزبائنية” في علاقاتها مع السلطة والمعارضة على حد سواء، ناهيكم عن أن الغالبية الساحقة من هذه النخب تنتمي لعائلات الضفة الغربية ذات المنشأ الإقطاعي والتي جعل منها النظام شريكاً للعشائر الأردنية في تقاسم السلطة والثروة في مرحلة ما بعد مؤتمر أريحا، باعتبار أن هذه العائلات هي صاحبة أرض الضفة الغربية المُراد إلحاقها بالمملكة الأردنية الهاشمية، أما اللاجئين من مناطق ٤٨، غالبية السكان العظمى، فقد تضاءل حضورهم في مؤسسات الدولة… إلى أن انتهينا إلى التخلي عن الضفة من دون ان نخلق نخباً تمثل غالبية سكان البلاد من الشعب اللاجئ

أضف تعليق