من «زوبعة» سحب الجنسيات إلى «عاصفة» منحها ؟!

عريب الرنتاوي

ما أن تهدأ «زوبعة» سحب الجنسيات والأرقام الوطنية، حتى تثار في وجوهنا «عاصفة» منحها، وفي كلتا الحالتين عن غير وجه حق…في كلتا الحالتين، يراد إثارة المخاوف والغرائز البدائية المستوحاة من زمن الصراع على الماء والكلأ…في كلتا الحالتين يُراد لحالة الفرز والاستقطاب و«المخاوف المتبادلة» و»فرّق تسد» أن تفعل فعلها، وأن تستمر معها منظومة الامتيازات الطفيلية التي عاش عليها وتغذى من «نسغها»، نفرٌ من السياسيين الأردنيين، الذين ما أن يغادر بعضهم مسرح الوظيفة العامة، حتى يعاود رحلة البحث عنها والرجوع إليها، حتى وإن جاء ذلك من بوابة إثارة «العصبيات القبلية» أو على جناح التمييز بين المواطنين.

خلال الأيام القليلة الفائتة، تناقلت مواقع إلكترونية أنباءً تفيد بمنح ستين ألف فلسطيني من سكان الضفة الغربية والمقيمين فيها، الجنسية الأردنية، جواز سفر مدعّم برقم وطني، ووفقاً لمصدر مسؤول، أصر على جري عادته، على عدم الكشف عن هويته،، فإن هذه العملية تتم بتسارع خلال الأشهر الثلاثة والنصف الأخيرة وتحت جناح «تصويب الأوضاع» لمن سحبت جنسياتهم بغير وجه حق.

لا ينسى «المصدر المجهول»، الإشارة إلى أن عملية سحب الجنسيات قد جرى تضخيمها والمبالغة في أرقامها، بهدف ابتزاز الحكومة، وهو ما أدى إلى نتائج عكسية الآن، حيث أن الحكومة تبالغ في منح الجنسيات لمن لا يستحقها، خشية التعرض للاستهداف والابتزاز ثانيةً…ولا أدري إن كان هناك ابتزاز أكثر من هذا الذي يمارسه «المصدر المجهول»، حين يقرر سلفاً ومقدماً أن عملية سحب الجوازات والأرقام الوطنية، كانت مبالغاً بها، أو حين يضع الحكومة في خانة الضعيف» الذي يفرط بسيادة الدولة وحقوق الأوطان، خشية التعرض لمقالة هنا أو تصريح هناك.

«المصدر المجهول» يتباكى على مصير الفلسطينيين الصامدين في أرضهم وفوق ترابهم الوطني، وهو يعرب عن «الخشية من تفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها» لتصبح لقمة سائغة، للاحتلال والاستيطان الصهيونيين…؟

والخلاصة التي تترتب على تناول هذا النوع من التقارير الزائفة، التي تكذبها الحقائق والوقائع، الأردنية والفلسطينية سواء بسواء، هي إبقاء جزءٍ رئيس وحاسم من شعبنا في دائرة الابتزاز والاستهداف والتخويف……من سحب الجوازات بغير حق، وترويع الناس بلقمة عيشهم ومستقبل أسرهم وحقوقهم الأساسية، إلى الحديث عن «منحها» لهم بغير حق، وفي سياق مؤامرة صهيونية لتفريغ الأرض من سكانها، هنا يقال للفلسطيني أنك «رخيص» جداً، إلى الحد الذي تقبل به أن تبيع وطنك وأرضك لقاء جواز سفر أو رقم وطني، علماً بأن القاصي قبل الداني، يدرك تمام الإدراك، أن الفلسطيني ما استبدل أرضه ووطنه وحقوقه، بكنوز الدنيا، وأن سعيه لتحسين ظروف شتاته ولجوئه، لم يتعارض لحظة واحدة مع حلمه الذي نشأ معه وتربّى عليه، حلم العودة إلى الدار والديار، بدلالة أن أكثر الفلسطينيين استمساكاً بحق العودة وتشبثاً به ونشاطاً في سبيل ترجمته، هم الأكثر «تمكيناً» كما هو حالهم في أوروبا والولايات المتحدة، وقد آن الأوان لهذا الأصوات النشاز والنفسيات السوداء، أن تلعق أكاذيبها، وتصمت للأبد.

لقد سبق لمطلقي هذه الدعاية السوداء أو مروّجيها عن قصد أو من دونه (ضحايا الكذب والتضليل)، أن روّجوا لأكذوبة الـ «78 ألف فلسطيني متجنس» عن طريق مكتب الملكة…وسبق لهم أن تداولوا رقم ستين ألف متجنس بغير وجه حق، خلال السنوات الأربع الأخيرة…وها هم يتحدثون عن ستين ألفا آخرين خلال الأشهر الأربع الأخيرة كذلك…وفي كل مرة، يثبت أن هذه الأرقام كاذبة ومضللة…في كل مرة تخرج علينا الإحصاءات الدامغة، فلسطينيا وأردنياً التي تكذب أنباء الهجرة والنزوح والتجنيس، ومع ذلك يصر هؤلاء المُفلسون، الذين لا قضية لهم سوى هذه القضية، على تكرار نفس الأكاذيب وترويج ذات الافتراءات، ودائما خدمة لأغراض أنانية ضيقة ومصالح انتهازية رخيصة.

من بين كل المعلومات المضللة حول هذا المسألة، ثمة معلومة وحيدة صحيحة إلى درجة معقولة، وهي أن السلطات الأردنية تمنح كبار المسؤولين الفلسطينيين وعائلاتهم، جوازات سفر مع أرقام وطنية…هذه القصة ليست جديدة…هي صحيحة قبل فك الارتباط وبعده…وعندما كان هناك ما يزيد عن 50 ألف مواطن أردني (من شتى المنابت والأصول) محروم من حمل الجواز وتجديده لأسباب سياسية (من بينهم كاتب هذه السطور)، أعرف شخصياً مسؤولين فلسطينين كبارا وعائلاتهم، كانوا يحملون جوازات سفر وأرقام وطنية…هذه المشكلة تُسأل عنها «الجهات ذات الصلة»، ؟!…ولقد سبق وتناولنا هذا الموضوع مرتين: الأولى، قبل أزيد من عشر سنوات، عندما استمسكت قيادة حماس في الخارج بجواز السفر والجنسية الأردنية، والثانية قبل أقل من عشرة أشهر، عندما تناهى لأسماعنا أن الرئيس عباس وعددا من كبار القيادات الفلسطينية يحملون الجنسية والرقم الوطني الفلسطيني، وفي كلتا الحالتين، حملنا بشدة على هذه الظاهرة.

(الدستور)

رأي واحد حول “من «زوبعة» سحب الجنسيات إلى «عاصفة» منحها ؟!

أضف تعليق